إعلام

الفلسطينيات.. حقوقٌ “مُحتلة” ونزيف “دمعٍ” في مارس

“اقتحموا المخيم، واغتالوا شقيقيَّ إبراهيم وعبد الكريم على مرأى ومسمع أمي” تقول أم المجد لـ “نوى”، وتكمل بصوتٍ تخنقه الغصة: “أمي اليوم تعاني من مشاكل في القلب والرئتين نتيجة العذاب الذي صبّه الاحتلال في آنية روحها، حين اعتقلها لسنواتٍ، وحين هدم بيتها، وحين قتل ابنيها، وأصاب ثالثًا، وأسرَ رابع”.

تتحدث ابنة مخيم جنين (التي اكتفت بذكر كنيتها) بمرارة، عن “عنفٍ” لا مثيل له تكابده المرأة الفلسطينية تحت نير الاحتلال، وتجد شهر المرأة “مارس” الأنسب للحديث عنه “لعلَّ مدى الصوت يكون أبعد فيصلُ إلى مدّعي الإنسانية، ورافعي شعارات حقوق الإنسان.

تقول: “كل الدول تحتفي بشهر المرأة إلا نساء فلسطين، يستقبلنه بأفئدةٍ تعتصر ألمًا. شهيدات، وجريحات، وأسيرات، وزوجات وأمهات شهداء، وجرحى، وأسرى، سواءً في الضفة الغربية، أو في قطاع غزة حيث المرارة مركبة: حصارٌ وفقر وقصف ودمار”.

عن أمها تكمل: “عن أي حقٍ من حقوق المرأة أتحدث، وأمي أمامي تضغط على جراحها وأوجاعها كأم شهيدين، وأسيرة سابقة، وأم لجريحٍ وأسير، وصاحبة بيتٍ مهدّم، ومريضة؟”

وتضيف بحسرة: “بعد أن قتل الجنود إخوتي بعدة أيام، داهمت القوات الإسرائيلية المسلحة المنزل وطردتنا، وهدمت المنزل على مرأى أمي التي وقفت حينذاك بثباتٍ تجمع شتات دمعها أمام الجنود لئلا يشعروا بقيمةٍ لما يفعلونه”.

ولأم السيدة أم المجد أخوين شهيدين، أحدهما استشهد في لبنان، والآخر خلال الانتفاضة الأولى، كما أن جميع أفراد أسرتها تعرضوا للاعتقال، “حتى هي، حينما اعتقلها الاحتلال، فرّق بينها وبين أختي الصغيرة زهور التي تُركت وحيدةً تكابد مرارة الفقد والخوف وحدها، وهي لم تتجاوز عامها العاشر، مما أثر على نفسيتها ومستواها الدراسي، وأشعرها بالخوف، والوحدة، والقهر، والظلم، دون رأفةٍ بطفولتها”.

تعقب: “كل الأطباء الذين تابعوا ملف أمي المرضي على مدار 20 عامًا تقريبًا، اعتبروا أن الضغط النفسي وتبعات ما مرت به، هو الذي أدى إلى أن تصاب بالفشل الرئوي، وأمراض القلب، والضغط”ـ وهي الآن طريحة الفراش لا تستطيع التنفس دون الأكسجين الموصول في المشفى برئتيها، بعد استئصال جزء منها.

أم الشهداء

برباطةٍ جأشٍ منقطعة النظير، رفعت حنان الدحدوح، من مدينة غزة رأسها خلال مقابلتها مع “نوى”، وقالت: “قدمتُ ثلاثةً من أبنائي شهداء، ثم اثنين من أحفادي، ومازلت حتى اللحظة ورغم القهر الذي يأكل قلبي أفتخر بهم، ودائمًا أتحدث عن سيرتهم وبطولاتهم، رغم أن فقدهم أوجعني ويتجدد جرحي كل يوم”.

وتزيد: “عندما استشهد أبنائي، تركوا لي أطفالًا بعضهم كان أجنةً في أرحام أمهاتهم، واليوم وبعد سنواتٍ طويلة صاروا شبانًا وشابات، ربّيتهم في بيتي، فكنتُ لهم أمًا وأبًا وسندًا، بعد أن حرمهم وحرمني الاحتلال من أولادي على مدار سنوات طويلة”.

وتضيف بحزنٍ عميق: “فقدان فلذة الكبد ليس بهين، ولا يمر، بينما السنوات تمر، إنه ألم يلوع القلب لكن الرضا هو الوسيلة الوحيدة التي نستطيع الثبات بفضلها فوق هذه الأرض، في وجه الاحتلال، وحروبه، ووقتله للأطفال والنساء”.

وتصف المحررة أمل طقاطقة من بيت لحم، بدورها، سنوات اعتقالها السبع، فتقول: “تجربة مريرة، حيث كاميرات مراقبة على مدار الدقيقة تنتهك خصوصية الأسيرات، حمامات الاستحمام خارج الغرف، وعلى مرأى وأعين الجنود، حتى مساحة نشر الملابس الخاصة بالأسيرات، قريبةٌ جدًا من الجنود الذين يراقبون حتى تنفّسنا”.

ورغم كونها حرةً الآن، إلا أنها تقول: “تركتُ عددًا من الأسيرات هناك اعتقلهن الاحتلال بعد أن حاول قتلهن، لكن إرادة الله كانت أقوى فبقين أحياء، إلا أنهن يكابدن عذاب السجن وحدهن، دون علاجٍ أو رحمة”، وعلى ما يبدو فإن التفكير بهن موجعٌ لقلبها، كونها عاشت ذات التجربة، إذ ما زال رصاص الجنود يسكن جسدها حتى اللحظة، قبل أن تصبح أسيرةً خلف قضبان ظلمهم.

وترى طقاطقة، أن عذاب الأسر أشد وأصعب من أي نوع آخر من العذاب التي يقصد الاحتلال من خلالها قتل الفلسطينيات، “ففي السجن أسيرات يمنعهن الاحتلال لسنوات طويلة من ملامسة أطراف أبنائهن، ولا حتى احتضانهم على الأقل، بالإضافة إلى الأحكام العالية والكبيرة، في حين أن معظم الأسيرات بالأساس اعتقلن وألقيت عليهن تهمًا هن بريئات منها”.

ميرفت النحال، المحامية بمركز الميزان لحقوق الإنسان بغزة، استعرضت في حديثها سلسلةً من الإجراءات القانونية التي تعتمدها المؤسسات الحقوقية، لتقديم الطلبات القانونية حول الانتهاكات الإسرائيلية، ابتداءً من إرسال الإخطارات لما يسمى بوزارة دفاع الاحتلال، وطلبات التحقيق في العدوان والحروب، وقالت: “طالبنا حتى الآن بفتح تحقيق في 250 قضية لأشخاص مدنيين، وقد فٌتحت من قبل المُدّعي العام العسكري الصهيوني”.

وتوضح النحال أن سلطات الاحتلال تتعمد التسويف والمماطلة، بالإضافة لتوفيرها الغطاء القانوني للجنود، رغم المعلومات الإحصائية التي تؤكد أن عدد ضحايا الاحتلال من السيدات في الفترة بين 1  يناير/ كانون الثاني لعام 2008م  إلى 7 آذار/مارس لعام 2022م، وصل إلى 501 سيدة شهيدة، و2748 سيدة مصابة.

زر الذهاب إلى الأعلى