بين الحرب والكلمات

ولادةٌ في خاصرة الحرب وإصابة بلا طبيب

في ساعات الصباح الأولى من الخامس من أكتوبر أقبلت على الحياة ابنتي الصغيره ضحى، وكنت لم أنتهي بعد من الم الولادة ومشاقها حيث استقبلنا السابع من أكتوبر بحشو حقائب الطوارئ بمستلزمات عائلتي المكونة من ست أطفال وأنا وزوجي, لم يكن بوسعي أن أتركها من يدي مع تدافع القصف وتسارع وتيرته الجنونية العشوائية في كل مكان، تمضي الدقائق يومياً بصعوبة بالغة… مضى اليوم الأول والثاني والثالث وهكذا في كل يوم نهبط إلى الطابق الأرضي مرة أو مرتين على الأقل من شدة القصف وقربه حتى يوم الثاني عشر من أكتوبر حيث تم استهداف محيط عمارتنا التي نسكن فيها بصاروخين ضخمين دون سابق إنذار ذار فنفجرت كل النوافذ والأبواب على صغاري وهم نائمين ما تسبب بإصابات مختلفة في الأولاد مع تعرض الصغيرة ضحى للاختناق فقررنا أن نخرج من موقع سكننا الكائن في مربع التاج 3 المشهور بالقصف العنيف إلى مدرسة تعتبر مركز إيواء.

هكذا بدأت رحلة التنقل بالبحث عن أمان بملابس خفيفة وحقائب بالكاد تكفي لمستلزمات الرضيعة في ظل عدم توفر مواصلات وانعدام الماء والكهرباء وشح الطعام كنا نقطع مسافات طويلة مشياً على الأقدام، تم استهداف محيط مركز الإيواء بشكل مباشر ومرعب فنزحنا إلى منزل العائلة في حي الشجاعية حيث استهدف بشكل مباشر فاضطر رنا للنزوح للبلدة القديمة وهناك مع بداية حصار مشفى الشفاء وخروج معظم المشافي عن الخدمة.

في التاسع عشر من أكتوبر مع آذان المغرب حدث انفجار ضخم للغاية نتج عن قصف المنزل المجاور ببرميل متفجر نجونا منه بأعجوبة، زوجي وابني الرابع أمير بالكاد خرجا من تحت الركام ومع انتشار الظلام الشديد والدخان كانت ابنتي ضحى الرضيعة تصرخ بصوا عالٍ ومستمر دون توقف، مع اتضاح الرؤية ومع تعالي الصراخ والضجيج والحديث عن شهداء وإصابات بليغة، لأجد بنتي الرضيعة ضحى وهي بين يديّ فوقها كومة كبيرة من حجار وقطع معدنية وإطار نافذة على رأسها كان قد طار مسافة لا تقل عن عشر أمتار، بدأت بالمناشدة دون أن اشعر بإصابتي بسبب تركيزي الكبير بإصابة ضحى، لا يوجد أي سيارة إسعاف ممكن أن تصل للمنطقة، ارتفع صوت القصف الشديد بالقرب منا، فقررنا الخروج نحو مشفى المعمداني، لكن أوقفتنا الصواريخ على ساحة المشفى وانطلقت عدادات الشهداء والجرحى حتى تجاوزت مائتي شهيد.

بعد أيام من العمل على تعقيم جرح ضحى في رأسها حيث أنه قطر الإصابة كان تجازز 10 سم بجوار النافوخ تماما حيث رأسها كان قد تضاعف حجمه بشكل كبير جدا وتغير لونه للأزرق، زاد وجع كتفي اليسار وقدمي اليسار فدققت النظر حيث وجدت الدم كان قد ملأ ملابسي وقد احدثت الشظايا ثقوبا كبيرة في للملابس لكن لم انتبه شيئا فشيئا بدات باستخراج الشظايا واحدة تلو الأخرى بحمد الله بالرغم من كوني كنت بعد لم اتعافى من آلام المخاض بعد ساعات طويلة وسهر شديد مع قلق يتضاعف حجمه مع إصابة الرضيعة وعبء رعاية الأولاد في ظروف الحرب المجنونة التي لم تهدأ أبداً.

كبقية الغزيين ما زلنا ننتظر خبراً جدياً يتحدث عن وقف إطلاق النار فقط حتى تخضع صغيرتي لصورة مقطعية حيث لا يوجد في شمال غزة أي جهاز أو طبيب مختص يشخص حالتها، مع وجود أعراض جانبية ومضاعفات على إصابتها وإصابتي، حالنا حال آلاف الجرحى والمصابين الذين يرتفع بهم عداد الشهداء وما زلنا نعيش خطر الموت القريب في كل لحظة.

بواسطة
آمنة حميد
المصدر
قصة غزة
زر الذهاب إلى الأعلى