الرحيل

ضحى ابنة الشهيدة آمنة حميد: طفولة تحت نيران الحرب

عصفت الحرب بطفولة ضحى التي رأت النور قُبيلها بيومين فقط، فشكلت لها واقعًا مريرًا يُرثى له، فكل يوم يضاف لها مأساة جديدة بعد أن شتت الحرب أوصار عائلتها وحرمانها من ملاذها الوحيد حضن والدتها.

نزحت ضحى مع والديها الصحفية آمنة حميدوالصحفي سائد حسونة وإخوتها الخمسة إلى عدة أماكن في شمال غزة، بحثًا عن الأمان، بعد أن أصبح الموت أحد أشكال الحياة اليومية، فلا يمكن لأحد أن يصف تفاصيل الواقع المرير في رحلة النزوح.اتخذت عائلة ضحى مستشفى الشفاء المكان الذى يفوح منه رائحة الدم وتنتشر فيه أشلاء الشهداء، مكانًا أمنًا لهم، فالعجز والخوف والحيرة تسيطر على الجميع هناك، فلا بديل عنه في ظل العنجهية الإسرائيلية.

ضحى: طفلة بُعمر الحرب

لم تسلم ضحى من بطش الاحتلال وإجرامه الممعن بقتل الطفولة في غزة، فالأمر يزداد خطورة عندما قصفت الطائرات بيتًا مجاورًا لهم و إصابتها ووالدتها بجروح متفاوتة.
اغتالت الحرب طفولة ضحى، عندما حرمتها من  الحصول على كمية كافية من حليب الأطفال، فالمجاعة القائمة في الشمال نحتت من جسد والدتها فأصبحت لا ترويها  إلا بقطرات معدودة من الحليب يومياً.

وضع غير قابل للحياة بين رفوف صيدلية المستشفى التي استبدلتها والدة ضحى لوضع مستلزماتهم بعد أن فرغت من جميع الأدوية، فالوضع مأساوي قاتل في كل الحالات، لكن آمنة الأم صنعت المستحيل لحماية أسراتها فهي سيدة الموقف والمكان.

المأساة لم تقف عند هذا الحد؛ فميلاد ضحى في وقت الحرب جعل والديها يبحثون لها عن “مهد للأطفال” فلم يجدوا إلا سرير المستشفى لوضع طفلتهم عليه للحفاظ عليها في ظل انتشار الأوبئة والأمراض المعدية، وغياب النظافة والرقابة.مع كل ذلك لم تسلم ضحى من بطش الاحتلال وإجرامه الممعن بقتل الطفولة في غزة، فقصفت الطائرات بيتًا مجاورًا لهم وإصابتها ووالدتها بجروح متفاوتة.

فكيف لطفلة عمرها بعمر الحرب أن تخترق شظايا الصواريخ جسدها الطري، وتصيبها إصابة بالغة، تئن من الوجع على مدار الساعة، فلا دواء لتخفيف الألم إلا ابتسامة والدتها آمنة وحضن والدها سائد، اللذين غيبتهم الحرب عنها وهي بأشهرها الأولى.

اغتالت الحرب طفولة ضحى، عندما حرمتها من  الحصول على كمية كافية من حليب الأطفال، فالمجاعة القائمة في الشمال نحتت من جسد والدتها فأصبحت لا ترويها  إلا بقطرات معدودة من الحليب يومياً.لم تنته المعاناة بعد لاشتداد وتيرة الحرب الدائرة وتخوف والد ضحى على حياة أسرته من القصف فيضطر إلى تركهم كل صباح لساعات طويلة لتأمين أدنى مقومات الحياة لهم، والوقوف وسط أهوال الحرب لنقل الرسالة الإعلامية المقدسة عن ما يحدث في غزة.

استشهاد الأم وغياب الحضن والأمان

عصفت الحرب بطفولة ضحى التي رأت النور قُبيلها بيومين فقط، فشكلت لها واقعًا مريرًا يُرثى له، فكل يوم يضاف لها مأساة جديدة بعد أن شتت الحرب أوصار عائلتها وحرمانها من ملاذها الوحيد حضن والدتها.
الصورة الأخيرة التي جمعت الشهيدة آمنة حميد بطفلتها ضحى ذات التسعة أشهر

تركت الحرب ندبة إلى الأبد في قلب الطفلة ضحى، حين قتل صاروخ غاشم والدتها آمنه وشقيقها الأكبر مهدي عندما كانوا في منزل جدهم في مخيم الشاطئ هاربين من الموت، ليلاحقهم بطش الاحتلال ويقصفهم بحمم نيران صواريخه التي قتلت العشرات من الأمهات دون ذنب.

السواد خيم على حياة ضحى، وأصبح الوضع مخيفًا ومقلقًا، وجعلها تفقد شعور الأمان وصولاً إلى حرمانها من الحنان والحُب الذين يجتمعان في قلب والدتها، وأبدلته بخوف وقلق وبحث في الليل والنهار عن الحضن الذي كان يأويها .باتت ضحى يتيمة الأم، وحُرِمت من والدها بعد أن أبعدوه قسرًا إلى الجنوب بعد اعتقاله، مما أثر على نفسيتها فأصبحت لا تُقبِل على أحد من حولها، فالبكاء ملاذها الوحيد التي لا تعرف غيره بعد فقدان الأب والأم والأخ.

ضحى لا تعرف شيئاً عن طفولتها، فقد أصبحت في رعاية جدتها منذ رحيل والدتها، التي عوّضتها بشئ بسيط عن الفقدان الذي حل بها، فهي لا تدرك حجم المعاناة التي حلت بطفلة ذات التسعة أشهر، فمتاهة الحياة صعبة وظلامها خيم على براءة الطفولة.

لم يكن مشهد القتل والنزوح والحرمان عائقًا في طريق ضحى، فهما مجرد حكاية من بين حكايات لا حصر لها، لأطفال غزة الذين باغتتهم الحرب وضيعت مستقبلهم، فحقوقهم التي يتغنون بها ضاعت، ووضعهم أصبح في مهب الريح. ما جمعته ضحى من مأساة وألم في ظل غياب والديها، يدعو كافة المؤسسات الدولية وحقوق الطفل والإنسان إلى النظر لأطفال غزة، وتوفير لهم الرعاية الطبية والنفسية من خلال السفر للخارج .

 

إقرأ ايضا

قتلت إسرائيل واحدة من أشجع نساء غزة، الثائرة والشاعرة: آمنة حميد

ليسو مجرد أرقام، بل أحلام تقصف كل يوم | آمنة ومهدي: الحلم ضاع

بواسطة
دعاء برهوم
المصدر
بنفسج
زر الذهاب إلى الأعلى