قالوا عن آمنة

أم مهدي… قصة صمود وشهادة.. يوسف حميد

أن تكون أول من يعلم!

وصلتني رسالة عند الساعة الرابعة عصرًا تقريباً، بعد الضربة بلحظات:
“يوسف أخوي… داركم تو نزلوها الي بغزة… يا رب سلم سلم.”

صديقي الذي أرسل الرسالة لم يكن يعلم أن أختي، شقيقة الروح والفؤاد، كانت قد عادت إلى المنزل بعد 25 رحلة من النزوح والترحال. قلبي سقط، وصمتُ للحظات. قبل دقائق فقط كنت أتحدث مع أختي أم مهدي عن تنظيف المنزل ومحاولتها إصلاح ما يمكن إصلاحه استعداداً لاستقبالنا في أول هدنة، وعن مكالمات أبنائها الذين كانوا يعرضون علينا أصناف الطعام التي حضّروها رغم شح الموارد.

يدي ترتجف وأنا أتصل بصديقي لأتأكد. سألته: “عنجد بتحكي؟” رد عليّ قائلاً: “تزعلش… الدار بتتعوض يا صاحبي، مش مهم.”
لكن جوابي كان أسرع: “إلحق أختي وولادها في الدار.”

صمت للحظات قبل أن يقول: “يمكن مش داركم… لحظة أتأكد.”
الرعب دبّ في أوصالي. أسرعت بالاتصال بزوج أختي، سائد، وقلت له: “اتصل بآمنة وشوفها.” حاولت أن أطمئنه: “ما تقلق، إن شاء الله خير.” لكن داخلي كان يغلي.

حين تأكدت أن بيتنا هو المستهدف، شعرت أن الأرض قد ابتلعتني. أختي آمنة وابنها مهدي أصبحا خبراً يتناقله الناس. حاولت التماسك أمام والدي ووالدتي، لكن والدتي لم أرها في حالة أسوأ منذ أن وعيت على الدنيا.

في مكالمة أخيرة معها، قالت لي آمنة: “أنا يا خوي شفت اللي شافوه أهالينا من الـ48 لحد الـ23 في 200 يوم.”
قالتها بحسرة، وهي تحكي عن النزوح والتجويع والخوف والقصف. عاشت حياة الفلسطينيين بكل تفاصيلها الموجعة.

وفي ذلك اليوم المشؤوم، 24-4-2024، رحلت أختي آمنة وابنها مهدي، تاركين وراءهما ألم الفقد وفراغاً لا يملؤه أحد.

“رحم الله آمنة ومهدي وجعل مثواهما الجنة.”

زر الذهاب إلى الأعلى